في هذا العصر لم نعد كبشر نعتمد على بصرنا أو ما تسمى “الرؤية بالعين المجردة” في التعرف على الكثير جداً من الأشياء، خاصةً الأشياء البعيدة أو الصغيرة الدقيقة، فالبصر محدود للغاية، إلى درجة أن هناك نطاق واسع، بل شديد السعة، مما نعلمه علم اليقين ولا نراه بأبصارنا أساساً، فالعين البشرية مثلاً لا ترى كل الأطوال الموجية، فهي لا ترى إلا أطوال موجية معينة، تلك الموجودة في قوس قزح فقط، ولا ترى الموجات الضوئية فوق البنفسجية ولا تحت الحمراء، ولا موجات الراديو ولا الموجات الميكرونية ولا أشعة إكس ولا أشعة جاما، ولا ترى الهواء ولا الغازات عديمة اللون مثل أول أكسيد الكربون القاتل، ولا ترى الخلية الحيوانية ولا النباتية ولا مكوناتها ولا التركيب الجيني ولا البكتيريا ولا الفيروسات ولا الجزيئات ولا الذرات ولا أنويتها ولا البرتونات ولا النيوترونات ولا أي من الهادرونات بباريوناتها وميزوناتها ولا الالكترونات ولا الكوراكات ولا أي من الجسيمات الأولية، ولا ترى الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض ولا محطة الفضاء الدولية ولا مئات بل آلاف المخلفات التي تدور حول الأرض مما تركه الانسان، ولا الكواكب ولا النجوم (إلا كنقاط من الضوء في السماء) ولا المجرات ولا التجمعات المجرية .. الخ، ومع أننا لا نرى كل ذلك بالعين المجردة إلا أننا كبشر نقر بوجود ما لا تراه أعيننا وبيقين مطلق!
في التقويم الهجري نحسب أشهره على دورة القمر، فالشهر القمري يبدأ مع ولادة القمر الجديد (الهلال) وينتهي بانتهائة، ويبدأ الشهر الذي يلية بهلال جديد وهكذا، وكافة مسلمي الأرض يعتمدون على الحسابات الفلكية في صلواتهم لمعرفة مواقيتها ويعتمدون على الحسابات الفلكية لمعرفة التاريخ الهجري فلا يشترط رؤية الهلال بالعين المجردة لاحتساب دخول الشهر وخروجه في كل الأشهر الهجرية الأخرى وبالتالي لا يجب أن يُشترط في رمضان!ومع هذا تأتي مشكلة الإصرار على شرط الرؤية في تحديد دخول شهر رمضان دوناً عن كافة أشهر السنة القمرية!وذلك بناء على الحديث الشهير “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”، و هذا الحديث كان مناسباً جداً في زمن الرسول (ص) إذ كانت الأشهر القمرية كلها تحسب بناء على الرؤية فلم تكن البشرية يومها قد تطور علمها مثلما هو اليوم، وبالتالي فإن الحديث كان طبيعياً ولا غرابة فيه فلم يكن لدى الناس حينها وسيلة لمعرفة دخول وخروج الشهر القمري (رمضان أو غيرة) غير الرؤية بالعين المجردة، ولا كانت المعرفة والتكنولوجيا آنذاك تسمح بكل ما تسمح به اليوم من معرفة وبدقة عالية، فلو كانت هذه المعرفة والتكنولوجيا متاحة في زمن النبي (ص) لكان الحديث مختلفاً مثل “صوموا بحسب جداول الحسابات الفلكية …” بدلاً عن صوموا لرؤيته أو شيء من هذا القبيل، ومن الغباء في هذا العصر أن تتحجر عقول المسلمين على حرفية نص الحديث مع علمهم بانعدام التكنولوجيا آنذاك وأن حديث النبي كان حينها متوافقاً مع المستوى المعرفي وكان موجهاً لمسلمي ذلك الزمان فهو ليس حديثاً يمكن تعميمه على كل زمان ومكان فمحتواه ذو جانب تقني عملي زمني وليس محتوى عبادة أو محتوى أخلاقي أو سلوكي أو ما شابة، وبالتالي لم يعد معناه الرؤية البصرية بل الرؤية بالمعنى المعاصر، بالحساب الدقيق، لأن الرؤية اليوم ليست بالعين المجردة في أغلب ما في الحياة مما له علاقة بالتكنولوجيا.
إذن لا حاجة للمسلمين باستخدم العين المجردة لرؤية هلال رمضان بل الاستناد إلى الجداول الفلكية المتاحة ليس فقط للحكومات وجهات الافتاء بل للافراد فهي موجودة على الانترنت في مواقع كثيرة أهمها موقع وكالة ناسا.
إذن: لو كان الرسول الكريم (ص) موجوداً في زمننا هذا لكان قال صوموا لرؤيته في جداول الحسابات الفلكية وافطروا لرؤيته في جداول الحسابات الفلكية، فلا يمكن أن يتناقض الصادق الأمين مع العلم والمعرفة كما يتناقض من يسموا أنفسهم رجال دين في هذا الزمن ،،
التعليقات