التخطي إلى المحتوى
العلاقة بين العاطفة والجسد

عندما نعبر عن حالاتنا العاطفية سلباً وإيجاباً عادةً ما نقول جمل أو صيغ مثل”بريق العين”، “قلب يخفق”، “قلب مكسور”، “وجنتان محمرتان”، “رأس يغلي”، “أقدام باردة”، “مرارة في الحلق”، “قشعريرة في البدن”، “مغص في البطن”، الخ، فنشير إلى أجزاء من أجسامنا، ونحن بذلك نقصد أن جسم الانسان يتفاعل مستجيباً للمؤثرات العاطفية، وهذا ما أثبته فريق علمي فنلندي في ورقة منشورة في يناير ٢٠١٤ (انظر الرابط أدناه) عندما وضع خريطة لونية على جسم الإنسان تمثل استجابة الجسم للمؤترات العاطفية، وطبق البحث على حوالي ٧٠٠ مشارك ومشاركة عبر الإنترنت من خلال قياس التفاعل مع الكلمات أو القصص أو الأفلام أو تعبيرات وجوه الغير (يقوم المشارك بوضع اللون المناسب على المناطق التي زاد فيها الإحساس وكذلك على المناطق التي قل فيها الإحساس، عبر النت، ويقوم الباحثون بجمع الحالتين في صورة لونية واحدة، ومن ثم حساب المتوسطات اللونية لكل الحالات رقميا – color digitizing – من خلال أكثر من خمسين ألف نقطة على جسم الإنسان، ولمزيد من التوضيح أنظر في الشكل الثاني)، وكانت النتيجة ما تجدونه في الرسم المرفق (الشكل الأول)، حيث تمثل الألوان الدافئة استجابة زائدة والألوان الباردة استجابة ناقصة في كل حالة من الحالات المدروسة (الغضب، الخوف، القرف أو الاشمئزاز، السعادة، الحزن، المفاجأة، القلق، الحب، الاكتئاب، الاحتقار، الفخر، الخزي، الحسد)، نسبة إلى الحالة المتعادلة وهي اللون الأسود الذي يمثل الجسم غير المتفاعل في الوضع المحايد (بدون مؤثرات)، وتجدون مفتاح المقياس اللوني على يمين الرسم، والجدير بالذكر أن الفريق لم يجد فروقا تذكر بسبب العرق أو الجغرافيا حتى بين غرب أوروبا وشرق آسيا، أي أن الاستجابة إنسانية كونية.

 

فيما يلي موجزاً يمثل ملاحظاتي على النتائج (قراءة للنتائج المنشورة):

 

1. السعادة تسبب أكبر استجابة جسدية على الإطلاق، وهذا جميل فعلاً، يأتي بعدها الحب، وهذا جميلا أيضاً لأنه يؤكد توقعاتنا بأن الحب بالرغم من أنه ليس السعادة كلها ولكنه الأقرب إليها (أكثر من ثلثي الاستجابة)، والطريف في الأمر هو أن الجزء الوحيد من أجسادنا الذي لا يتفاعل مع الحب بالرغم من أنه يتفاعل في حالة السعادة هو الثلث السفلي (من الركبة حتى باطن القدم)، وكأننا حين نكون في حالة حب لا نكون في حالة تأهب لاستخدام أرجلنا، في حين أن باقي جسدنا كله يكون في حالة تأهب وتفاعل، إذا الفرق بين الحالتين هو أن أجسادنا كاملة تكون متأهبة متفاعلة في حالة السعادة في حين تبقى الارجل هادئة في حالة الحب ويستجيب بقية الجسد، وربما هذا معناه أننا في حالة السعادة قد نجري ونقفز من الفرح (جاهزية الأرجل)، في حين أننا في لحظة الحب لا نريد أن تتحرك أقدامنا وكأننا نعشق المكان الذي نعيش فيه لحظة الحب هذه، كما يجب أن نلاحظ أن أقصى استجابة في حالة السعاده تكون في منطقتي الصدر والرأس، في حين تكون في حالة الحب شديدة السطوع في منطقة الصدر (أسطع من حالة السعادة)، ولكنها ساطعة كذلك في منطقتي الرأس والحوض! والسطوع الشديد لمنطقة الحوض لا يحدث في أي حالة من الحالات المدروسة ما عدا حالة الحب وهذا طبيعي لارتباط الحب بالجنس! وهذا متوقع بكل تأكيد كما هي طبيعة الإنسان!

 

عدم استجابة الأرجل في حالة الحب يذكرني بحديثي في مقال “فقه الزمن!” حين قلت “وقد يتوقف الزمن كلية عند الإنسان في لحظة حبٍ صادقةٍ خالصةٍ قد يعيشها خارج الزمان والمكان معاً”، لأننا عندما نعيش لحظة الحب خارج الزمان والمكان لا نكترث بأن لنا أرجل وقد لا نحس بوجودها أساسا، كما تذكرني هذه النقطة بأمر ما برحت أكرره على مسامع من أحب ألا وهو أننا كبشر قد نملك مالاً أو جاهاً أو حتى بنيناً ولكن كل ذلك يمكن أن يُنتزع منا، ولكن أحد لا يستطيع أن ينزع عنا محبتنا لما نحب أو من نحب، وعليه فإن ما نملكة فعلا وهو غير قابل للإنتزاع هو لحظات المحبة الصادقة الخالصة التي نعيشها فتعيش في قلوبنا ونمتلكها إلى الأبد.

 

2. الترتيب الثالث في الاستجابة هو لحالة الغضب والرابع لحالة الفخر، ومع أن الاستجابة في الحالتين متقاربتان وتتركز في النصف العلوي لأجسادنا إلا أن الفرق هو أن اليد تكون غير مستجيبة في حالة الفخر وتكون شديدة الاستجابة وخاصة الكفين في حالة الغضب، وهذا معناه أننا عندما نغضب نكون متأهبين لاستخدام الأيدي وخاصة الكفين، وهذا في تقديري تسجيل دقيق للميول البشرية نحو العنف بالأيدي في حالة الغضب، وعليه علينا أن نستوعب هذه النقطة جيدا فنعرف أننا عندما نغضب يجب أن لا نسمح لهذه الأيدي بالتعبير عن غضبنا ونستبدل ذلك باللغة والكلمات الموزونة اذا استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

3. اتضح أن حالتي القلق والخوف متشابهتان في الاستجابة الجسدية إلا أن للقلق استجابة أكبر من حالة الخوف، وتظهر الزياده في حالة القلق في الصدر، وهذا يفسر ما نعرفه من أن القلق خطير على صحة الإنسان أكثر من الخوف.

 

4. كما هو متوقع يشكل الاكتئاب أقل مستوى استجابة جسدية على الإطلاق، أي أقل من الحالة المحايدة (الجسم الأسود)، وهذا لعمري صحيح فالمكتئب أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، في حين أن الحزن يشكل وضعا ما بين الحالة المحايدة وبين الاكتئاب، أي أقل من الحالة المحايدة وأكبر من الاكتئاب، والعجيب في الأمر هو أنه بالرغم من أن الجسم يكون قريبا لوضع الإكتئاب إلا أن العينيين والحلق والصدر لها استجابة في حالة الحزن أكبر قليلا من الحالة المحايدة وكأن مناطق الاستجابة للألم المرتبط بالحزن هي هذه المناطق الثلاث فقط، وكأن العين في حالة الحزن تبكي حتى إن لم تدمع، والحلق يبكي حتى إن لم يُسمع، والصدر يألم حتى إن لم يتوجع، ومن الواضح هنا أن الاكتئاب امضى في تأثيره السلبي من الحزن!

 

5. كما هو متوقع نجد أن استجابة حالة القرف هي في منطقة الجهاز الهضمي وفي الحلق بالذات تكون الاستجابة أعلى وكأن الإنسان على وشك التقيء بسبب حالة القرف هذه.

 

6. أجد أن استجابة الوجنتين الشديدة في حالة الخزي والعار أمراً متوقعاً ومثيراً للاهتمام وكأن الوجنتين تقومان بجهد كبير حتى تخفيا شعور صاحبها بالخزي والعار! وهذه الاستجابة كأنها استجابة الخجل التقليدية (الدراسة لم تتضمن الخجل) واتوقع أن العاطفتين متداخلتين كما تعكس ذلك اللغة العربية حين نقول أن فلاناً كان خجلان من فعلته ونقصد في ذلك الشعور بالخزي!

 

٧. تتشابه مناطق الاستجابة بين التفاجؤ والحسد مع شدتها الأكبر في حالة التفاجؤ، وهذا غريب بعض الشيء فما القاسم المشترك بينهما؟ أما عاطفة الازدراء فلا يستجيب لها من جسم الانسان إلا رأسه، وهذا منطقي بكل تأكيد!

التعليقات

اترك تعليقاً